فصل: تفسير الآيات (66- 69):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (61- 63):

{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62) قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63)}
قوله عز وجل: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} يعني: الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم، وهو جمع حافظ، نظيره {وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين} [الانفطار، 11]، {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ} قرأ حمزة {توفيه} و{استهويه} بالياء وأمالهما، {رُسُلُنَا} يعني: أعوان ملك الموت يقبضونه فيدفعونه إلى ملك الموت فيقبض روحه، كما قال: {قل يتوفاكم ملك الموت}، وقيل الأعوان يتوفونه بأمر ملك الموت، فكأن ملك الموت توفاه لأنهم يصدرون عن أمره، وقيل: أراد بالرسل ملك الموت وحده، فذكر الواحد بلفظ الجمع، وجاء في الأخبار: أن الله تعالى جعل الدنيا بين يدي ملك الموت كالمائدة الصغيرة فيقبض من هاهنا ومن هاهنا فإذا كثرت الأرواح يدعو الأرواح فتجيب له، {وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} لا يقصرون.
{ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} يعني: الملائكة، وقيل: يعني العباد يردون بالموت إلى الله مولاهم الحق، فإن قيل الآية في المؤمنين والكفار جميعا وقد قال في آية أخرى: {وأن الكافرين لا مولى لهم} [محمد، 11]، فكيف وجه الجمع؟ فقيل: المولى في تلك الآية بمعنى الناصر ولا ناصر للكفار، والمولى هاهنا بمعنى الملك الذي يتولى أمورهم، والله عز وجل مالك الكل ومتولي الأمور، وقيل: أراد هنا المؤمنين خاصة يردون إلى مولاهم، والكفار فيه تبع، {أَلا لَهُ الْحُكْمُ} أي: القضاء دون خلقه، {وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} أي: إذا حاسب فحسابه سريع لأنه لا يحتاج إلى فكرة ورؤية وعقد يد.
قوله عز وجل: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ} قرأ يعقوب بالتخفيف، وقرأ العامة بالتشديد، {مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} أي: من شدائدهما وأهوالهما، كانوا إذا سافروا في البر والبحر فضلُّوا الطريق وخافوا الهلاك، دعوا الله مخلصين له الدين فينجيهم، فذلك قوله تعالى: {تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} أي: علانية وسرا، قرأ أبو بكر عن عاصم {وخفية} بكسر الخاء هاهنا وفي الأعراف، وقرأ الآخرون بضمها وهما لغتان، {لَئِنْ أَنْجَانَا} أي: يقولون لئن أنجيتنا، وقرأ أهل الكوفة: لئن أنجانا الله، {مِنْ هَذِهِ} يعني: من هذه الظلمات، {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} والشكر: هو معرفة النعمة مع القيام بحقها.

.تفسير الآيات (64- 65):

{قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65)}
{قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا} قرأ أهل الكوفة وأبو جعفر {ينجيكم} بالتشديد، مثل قوله تعالى: {قل من ينجيكم} وقرأ الآخرون هذا بالتخفيف، {وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ} والكرب غاية الغم الذي يأخذ بالنفس، {ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} يريد أنهم يقرون أن الذي يدعونه عند الشدة هو الذي ينجيهم ثم تشركون معه الأصنام التي قد علموا أنها لا تضر ولا تنفع.
قوله عز وجل: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} قال الحسن وقتادة: نزلت الآية في أهل الإيمان، وقال قوم نزلت في المشركين.
قوله: {عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} يعني: الصيحة والحجارة والريح والطوفان، كما فعل بعاد وثمود وقوم شعيب وقوم لوط وقوم نوح، {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} يعني: الرجفة والخسف كما فعل بقوم شعيب وقارون.
وعن ابن عباس ومجاهد: {عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} السلاطين الظلمة، ومن تحت أرجلكم العبيد السوء، وقال الضحاك: {مِنْ فَوْقِكُمْ} من قبل كباركم {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} أي من أسفل منكم، {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} أي: يخلطكم فرقا ويبث فيكم الأهواء المختلفة، {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} يعني: السيوف المختلفة، يقتل بعضكم بعضا.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو النعمان أنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر قال: لما نزلت هذه الآية {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بوجهك»، قال: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قال: «أعوذ بوجهك»، قال: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا أهون أو هذا أيسر».
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أنا أبو جعفر محمد بن علي دحيم الشيباني أخبرنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة أنا يعلى بن عبيد الطنافسي أنا عثمان بن حكيم عن عامر بن سعد بن وقاص عن أبيه، قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مررنا على مسجد بني معاوية فدخل فصلى ركعتين وصلينا معه فناجى ربه طويلا ثم قال: «سألت ربي ثلاثا: سألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها».
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن دلوية الدقاق ثنا محمد بن إسماعيل البخاري ثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن عبيد الله بن عمر عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري أن عبد الله بن عمر جاءهم ثم قال: «إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في مسجد فسأل الله ثلاثا فأعطاه اثنتين ومنعه واحدة، سأله أن لا يسلط على أمته عدوا من غيرهم يظهر عليهم فأعطاه ذلك، وسأله أن لا يهلكهم بالسنين فأعطاه ذلك وسأله أن لا يجعل بأس بعضهم على بعض، فمنعه ذلك».
قوله عز وجل: {انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}.

.تفسير الآيات (66- 69):

{وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69)}
{وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} أي: بالقرآن، وقيل: بالعذاب، {وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} برقيب، وقيل: بمسلط ألزمكم الإسلام شئتم أو أبيتم، إنما أنا رسول.
{لِكُلِّ نَبَإٍ} خبر من أخبار القرون، {مُسْتَقَرٌّ} حقيقة ومنتهى ينتهي إليه فيتبين صدقه من كذبه وحقه من باطله، إما في الدنيا وإما في الآخرة، {وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} وقال مقاتل: لكل خبر يخبره الله وقت وقته ومكان يقع فيه من غير خلف ولا تأخير، وقال الكلبي: لكل قول وفعل حقيقة، إما في الدنيا وإما في الآخرة وسوف تعلمون ما كان في الدنيا فستعرفونه وما كان في الآخرة فسوف يبدو لكم.
قوله عز وجل: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا} يعني: في القرآن بالاستهزاء {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} فاتركهم ولا تجالسهم {حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ} قرأ ابن عامر بفتح النون وتشديد السين وقرأ الآخرون بسكون النون وتخفيف السين، {الشَّيْطَانُ} نهينا، {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} يعني: إذا جلست معهم ناسيا فقهم من عندهم بعدما تذكرت.
{وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} روي عن ابن عباس أنه قال: لما نزلت هذه الآية: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} قال المسلمون: كيف نقعد في المسجد الحرام ونطوف بالبيت وهم يخوضون أبدا؟ وفي رواية قال المسلمون: فإنا نخاف الإثم حين نتركهم ولا ننهاهم، فأنزل الله عز وجل: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ} الخوض، {مِنْ حِسَابِهِمْ} أي: من آثام الخائضين {مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى} أي: ذكروهم وعظوهم بالقرآن، والذكر والذكرى واحد، يريد ذكروهم ذكري، فتكون في محل النصب، {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} الخوض إذا وعظتموهم فرخص في مجالستهم على الوعظ لعله يمنعهم من ذلك الخوض، وقيل: لعلهم يستحيون.

.تفسير الآيات (70- 71):

{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70) قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)}
قوله عز وجل: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا} يعني: الكفار الذين إذا سمعوا آيات الله استهزءوا بها وتلاعبوا عند ذكرها، وقيل: إن الله تعالى جعل لكل قوم عيدا فاتخذ كل قوم دينهم- أي: عيدهم- لعبا ولهوا، وعيد المسلمين الصلاة والتكبير وفعل الخير مثل الجمعة والفطر والنحر، {وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ} أي: وعظ بالقرآن، {أَنْ تُبْسَلَ} أي: لأن لا تبسل، أي: لا تسلم، {نَفْسٌ} للهلاك، {بِمَا كَسَبَتْ} قاله مجاهد وعكرمة والسدي، وقال ابن عباس: تهلك، وقال قتادة: أن تحبس، وقال الضحاك: تحرق، وقال ابن زيد: تؤخذ، ومعناه: ذكِّرهم ليؤمنوا، كيلا تهلك نفس بما كسبت، قال الأخفش: تبسل تجازى، وقيل: تفضح، وقال الفراء: ترتهن، وأصل الإبسال التحريم، والبسل الحرام، ثم جعل نعتا لكل شدة تتقى وتترك، {لَيْسَ لَهَا} أي لتلك النفس، {مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ} قريب، {وَلا شَفِيعٌ} يشفع في الآخرة، {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ} أي: تفد كل فداء، {لا يُؤْخَذْ مِنْهَا} {أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا} أسلموا للهلاك، {بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ}.
{قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا} إن عبدناه، {وَلا يَضُرُّنَا} إن تركناه، يعني: الأصنام ليس إليها نفع ولا ضر، {وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا} إلى الشرك مرتدين {بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ}، أي: يكون مثلنا كمثل الذي استهوته الشياطين، أي: أضلته، {حَيْرَانَ} قال ابن عباس: كالذي استهوته الغيلان في المهامة فأضلوه فهو حائر بائر، والحيران: المتردد في الأمر، لا يهتدي إلى مخرج منه، {لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا} هذا مثل ضربه الله تعالى لمن يدعو إلى الآلهة ولمن يدعو إلى الله تعالى، كمثل رجل في رفقة ضل به الغول عن الطريق يدعوه أصحابه من أهل الرفقة هلم إلى الطريق، ويدعوه الغول هلم فيبقى حيران لا يدري أين يذهب، فإن أجاب الغول انطلق به حتى يلقيه إلى الهلكة، وإن أجاب من يدعوه إلى الطريق اهتدى.
{قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} يزجر عن عبادة الأصنام، كأنه يقول: لا تفعل ذلك فإن الهدى هدى الله، لا هدى غيره، {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ} أي: أن نسلم، {لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} والعرب تقول: أمرتك لتفعل وأن تفعل وبأن تفعل.

.تفسير الآيات (72- 73):

{وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)}
{وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ} أي: وأمرنا بإقامة الصلاة والتقوى، {وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
أي: تجمعون في الموقف للحساب.
{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ} قيل: الباء بمعنى اللام، أي: إظهارا للحق لأنه جعل صنعه دليلا على وحدانيته، {وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ} قيل: هو راجع إلى السموات والأرض والخلق، بمعنى: القضاء والتقدير، أي كل شيء قضاه وقدره قال له: كن، فيكون.
وقيل: يرجع إلى القيامة، يدل على سرعة أمر البعث والساعة، كأنه قال: ويوم يقول للخلق: موتوا فيمومون، وقوموا فيقومون، {قَوْلُهُ الْحَقُّ} أي: الصدق الواقع لا محالة، يريد أن ما وعده حق كائن، {وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} يعني: ملك الملوك يومئذ زائل، كقوله: {مالك يوم الدين}، وكما قال: {والأمر يومئذ لله}، والأمر له في كل وقت، ولكن لا أمر في ذلك اليوم لأحد مع أمر الله، والصور: قرن ينفخ فيه، قال مجاهد: كهيئة البوق، وقيل: هو بلغة أهل اليمن، وقال أبو عبيدة: الصور هو الصور وهو جمع الصورة، وهو قول الحسن: والأول أصح.
والدليل عليه ما أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا أبو طاهر المحاربي أنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا أبو عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال أنا عبد الله بن المبارك عن سليمان التيمي عن أسلم عن بشر بن شغاف عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما الصور؟ قال: «قرن ينفخ فيه».
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أنا أبو عبد الله بن محمد بن عبد الله الصفار أنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي أنا أبو حذيفة أنا سفيان عن الأعمش عن عطية بن سعد العوفي عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كيف أنعم وصاحب الصور قد التقمه، وأصغى سمعه وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر»؟ فقالوا: يا رسول الله وما تأمرنا؟ قال: «قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل».
وقال أبو العلاء عن عطية: متى يؤمر بالنفخ فينفخ.
{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} يعلم ما غاب عن العباد وما يشاهدونه، لا يغيب عن علمه شيء، {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}.

.تفسير الآيات (74- 76):

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76)}
قوله عز وجل: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ آزَرَ} قرأ يعقوب {آزر} بالرفع، يعني: {آزر} والقراءة المعروفة بالنصب، وهو اسم أعجمي لا ينصرف فينتصب في موضع الخفض.
قال محمد بن إسحاق والضحاك والكلبي: آزر اسم أبي إبراهيم وهو تارخ أيضا مثل إسرائيل ويعقوب وكان من كوثى قرية من سواد الكوفة، وقال مقاتل بن حيان وغيره: آزر لقب لأبي إبراهيم، واسمه تارخ.
وقال سليمان التيمي: هو سب وعيب، ومعناه في كلامهم المعوج، وقيل: معناه الشيخ الهِمُّ بالفارسية، وقال سعيد بن المسيب ومجاهد: آزر اسم صنم، فعلى هذا يكون في محل النصب تقديره أتتخذ آزر إلها، قوله: {أَصْنَامًا آلِهَةً} دون الله، {إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.
{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ} أي: كما أريناه البصيرة في دينه، والحق في خلاف قومه، نريه {مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} والملكوت: الملك، زيدت فيه التاء للمبالغة، كالجبروت والرحموت والرهبوت، قال ابن عباس: يعني خلق السموات والأرض، وقال مجاهد وسعيد بن جبير: يعني آيات السموات والأرض، وذلك أنه أقيم على صخر وكشف له عن السموات والأرض حتى العرش وأسفل الأرضين ونظر إلى مكانه في الجنة، فذلك قوله تعالى: {وآتيناه أجره في الدنيا} يعني: أريناه مكانه في الجنة.
وروي عن سلمان رضي الله عنه، ورفعه بعضهم عن علي رضي الله عنه لما أري إبراهيم ملكوت السموات والأرض أبصر رجلا على فاحشة فدعا عليه فهلك، ثم أبصر آخر فدعا عليه فهلك، ثم أبصر آخر فأراد أن يدعو عليه فقال له الرب عز وجل: «يا إبراهيم إنك رجل مستجاب الدعوة، فلا تدعون على عبادي فإنما أنا من عبدي على ثلاث خصال إما أن يتوب فأتوب عليه، وإما أن أخرج منه نسمة تعبدني، وإما أن يبعث إلي فإن شئت عفوت عنه، وإن شئت عاقبته» وفي رواية: «وإما أن يتولى فإن جهنم من ورائه».
وقال قتادة: ملكوت السموات: الشمس والقمر والنجوم، وملكوت الأرض الجبال والشجر والبحار. {وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} عطف على المعنى، ومعناه: نريه ملكوت السموات والأرض، ليستدل به وليكون من الموقنين.
{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا} الآية، قال أهل التفسير: ولد إبراهيم عليه السلام في زمن نمرود بن كنعان، وكان نمرود أول من وضع التاج على رأسه ودعا الناس إلى عبادته، وكان له كهان ومنجمون، فقالوا له: إنه يولد في بلدك هذه السنة غلام يغيّر دين أهل الأرض ويكون هلاكك وزوال ملكك على يديه، يقال: إنهم وجدوا ذلك في كتب الأنبياء عليهم السلام.
وقال السدي: رأى نمرود في منامه كأن كوكبا طلع فذهب بضوء الشمس والقمر حتى لم يبق لهما ضوء، ففزع من ذلك فزعا شديدا، فدعا السحرة والكهنة فسألهم عن ذلك، فقالوا: هو مولود يولد في ناحيتك في هذه السنة، فيكون هلاكك وهلاك ملكك وأهل بيتك على يديه، قالوا: فأمر بذبح كل غلام يولد في ناحيته في تلك السنة، وأمر بعزل الرجال عن النساء، وجعل على كل عشرة رجال رجلا فإذا حاضت المرأة خلى بينها وبين زوجها، لأنهم كانوا لا يجامعون في الحيض، فإذا طهرت حال بينهما، فرجع آزر فوجد امرأته قد طهرت من الحيض فواقعها، فحملت بإبراهيم عليه السلام.
وقال محمد بن إسحاق: بعث نمرود إلى كل امرأة حبلى بقرية، فحبسها عنده إلا ما كان من أم إبراهيم عليه السلام، فإنه لم يعلم بحبلها لأنها كانت جارية حديثة السن، لم يعرف الحبل في بطنها.
وقال السدي: خرج نمرود بالرجال إلى معسكر ونحاهم عن النساء تخوفا من ذلك المولود أن يكون، فمكث بذلك ما شاء الله ثم بدت له حاجة إلى المدينة، فلم يأتمن عليها أحدا من قومه إلا آزر، فبعث إليه ودعاه وقال له: إن لي حاجة أحببت أن أوصيك بها ولا أبعثك إلا لثقتي بك، فأقسمت عليك أن لا تدنو من أهلك، فقال آزر: أنا أشح على ديني من ذلك، فأوصاه بحاجته، فدخل المدينة وقضى حاجته، ثم قال: لو دخلت على أهلي فنظرت إليهم فلما نظر إلى أم إبراهيم عليه السلام لم يتمالك حتى واقعها، فحملت بإبراهيم عليه السلام.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لما حملت أم إبراهيم قال الكهان لنمرود: إن الغلام الذي أخبرناك به قد حملته أمه الليلة، فأمر نمرود بذبح الغلمان، فلما دنت ولادة أم إبراهيم عليه السلام وأخذها المخاض خرجت هاربة مخافة أن يطلع عليها فيقتل ولدها، فوضعته في نهر يابس ثم لفته في خرقة ووضعته في حلفاء، فرجعت فأخبرت زوجها بأنها ولدت، وأن الولد في موضع كذا وكذا فانطلق أبوه فأخذه من ذلك المكان وحفر له سربا عند نهر، فواراه فيه وسد عليه بابه بصخرة مخافة السباع، وكانت أمه تختلف إليه فترضعه.
وقال محمد بن إسحاق: لما وجدت أم إبراهيم الطلق خرجت ليلا إلى مغارة كانت قريبة منها فولدت فيها إبراهيم عليه السلام وأصلحت من شأنه ما يصنع بالمولود، ثم سدت عليه المغارة ورجعت إلى بيتها ثم كانت تطالعه لتنظر ما فعل فتجده حيا يمص إبهامه.
قال أبو روق: وقالت أم إبراهيم ذات يوم لأنظرن إلى أصابعه، فوجدته يمص من أصبع ماء، ومن أصبع لبنا، ومن أصبع عسلا ومن أصبع تمرا، ومن أصبع سمنا.
وقال محمد بن إسحاق: كان آزر قد سأل أم إبراهيم عن حملها ما فعل؟ فقالت: ولدت غلاما فمات، فصدقها فسكت عنها، وكان اليوم على إبراهيم في الشباب كالشهر والشهر كالسنة فلم يمكث إبراهيم في المغارة إلا خمسة عشر شهرا حتى قال لأمه أخرجيني فأخرجته عشاء فنظر وتفكر في خلق السموات والأرض، وقال: إن الذي خلقني ورزقني وأطعمني وسقاني لربي الذي ما لي إله غيره، ثم نظر إلى السماء فرأى كوكبا فقال: هذا ربي، ثم أتبعه بصره لينظر إليه حتى غاب، فلما أفل، قال: لا أحب الآفلين، ثم رأى القمر بازغا قال هذا ربي وأتبعه ببصره حتى غاب، ثم طلعت الشمس هكذا إلى آخره، ثم رجع إلى أبيه آزر وقد استقامت وجهته وعرف ربه وبرئ من دين قومه إلا أنه لم ينادهم بذلك، فأخبره أنه ابنه وأخبرته أم إبراهيم أنه ابنه، وأخبرته بما كانت صنعت في شأنه فسرَّ آزر بذلك وفرح فرحا شديدا.
وقيل: إنه كان في السرب سبع سنين، وقيل: ثلاثة عشرة سنة، وقيل: سبعة عشرة سنة، قالوا: فلما شب إبراهيم عليه السلام، وهو في السرب قال لأمه: من ربي؟ قالت: أنا، قال: فمن ربك؟ قالت: أبوك، قال: فمن رب أبي؟ قالت: نمرود، قال: فمن ربه؟ قالت له: اسكت فسكت، ثم رجعت إلى زوجها، فقالت: أرأيت الغلام الذي كنا نحدث أنه يغيّر دين أهل الأرض فإنه ابنك، ثم أخبرته بما قال، فأتاه أبوه آزر، فقال له إبراهيم عليه السلام: يا أبتاه من ربي؟ قال: أمك، قال: ومن رب أمي؟ قال: أنا قال: ومن ربك؟ قال: نمرود قال: فمن رب نمرود؟ فلطمه لطمة وقال له: اسكت فلما جن عليه الليل دنا من باب السرب فنظر من خلال الصخرة فأبصر كوكبا، قال: هذا ربي.
ويقال: إنه قال لأبويه أخرجاني فأخرجاه من السرب وانطلقا به حين غابت الشمس، فنظر إبراهيم إلى الإبل والخيل والغنم، فسأل أباه ما هذه؟ فقال: إبل وخيل وغنم، فقال: ما لهذه بدّ من أن يكون لها رب وخالق، ثم نظر فإذا المشتري قد طلع، ويقال: الزهرة، وكانت تلك الليلة في آخر الشهر فتأخر طلوع القمر فيها، فرأى الكوكب قبل القمر، فذلك قوله عز وجل: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} أي: دخل، يقال: جن الليل وأجن الليل، وجنه الليل، وأجن عليه الليل يجن جنونا وجنانا إذا أظلم وغطى كل شيء، وجنون الليل سواده، {رَأَى كَوْكَبًا} قرأ أبو عمرو {رأى} بفتح الراء وكسر الألف، وبكسرهما ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر، فإن اتصل بكاف أو هاء فتحهما ابن عامر، وإن لقيها ساكن كسر الراء وفتح الهمزة حمزة وأبو بكر، وفتحهما الآخرون. {قَالَ هَذَا رَبِّي}.
واختلفوا في قوله ذلك: فأجراه بعضهم على الظاهر، وقالوا: كان إبراهيم عليه السلام مسترشدا طالبا للتوحيد حتى وفقه الله تعالى وآتاه رشده فلم يضره ذلك في حال الاستدلال، وأيضا كان ذلك في حال طفوليته قبل قيام الحجة عليه، فلم يكن كفرا.
وأنكر الآخرون هذا القول، وقالوا: لا يجوز أن يكون لله رسول يأتي عليه وقت من الأوقات إلا وهو لله موحد وبه عارف، ومن كل معبود سواه بريء وكيف يتوهم هذا على من عصمه الله وطهّره وآتاه رشده من قبل وأخبر عنه فقال: {إذ جاء ربه بقلب سليم} [الصافات، 84] وقال: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض}، أفتراه أراه الملكوت ليوقن فلما أيقن رأى كوكبا قال: هذا ربي معتقدا؟ فهذا ما لا يكون أبدا.
ثم قالوا: فيه أربعة أوجه من التأويل:
أحدها: أن إبراهيم عليه السلام أراد أن يستدرج القوم بهذا القول ويعرفهم خطأهم وجهلهم في تعظيم ما عظموه، وكانوا يعظمون النجوم ويعبدونها، ويرون أن الأمور كلها إليها فأراهم أنه معظم ما عظموه وملتمس الهدى من حيث ما التمسوه، فلما أفل أراهم النقص الداخل على النجوم ليثبت خطأ ما يدّعون، ومثل هذا مثل الحواري الذي ورد على قوم يعبدون الصنم، فأظهر تعظيمه فأكرموه حتى صدروا في كثير من الأمور عن رأيه إلى أن دهمهم عدو فشاوروه في أمره، فقال: الرأي أن ندعو هذا الصنم حتى يكشف عنا ما قد أظلنا، فاجتمعوا حوله يتضرعون فلما تبين لهم أنه لا ينفع ولا يدفع دعاهم إلى أن يدعوا الله فدعوه فصرف عنهم ما كانوا يحذرون، فأسلموا.
والوجه الثاني من التأويل: أنه قاله على وجه الاستفهام تقديره: أهذا ربي؟ كقوله تعالى: {أفإن مت فهم الخالدون} [الأنبياء، 34]؟ أي: أفهم الخالدون؟ وذكره على وجه التوبيخ منكرا لفعلهم، يعني: ومثل هذا يكون ربا، أي: ليس هذا ربي.
والوجه الثالث: أنه على وجه الاحتجاج عليهم، يقول: هذا ربي بزعمكم؟ فلما غاب قال: لو كان إلها لما غاب، كما قال: {ذق إنك أنت العزيز الكريم} [الدخان، 49]، أي: عند نفسك وبزعمك، وكما أخبر عن موسى أنه قال: {وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه} [طه 97] يريد إلهك بزعمك.
والوجه الرابع: فيه إضمار وتقديره يقولون هذا ربي، كقوله: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا} [البقرة، 127] أي: يقولون ربنا تقبل منا. {فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} وما لا يدوم.